ثم قال رحمه الله: "والقرآن وسائر الكتب تنطق بأن الملائكة عبيد مدبرون، كما قال سبحانه: ((
لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا))[النساء:172]"، ثم بين رحمه الله المراد من الاستثناء في قوله تعالى: ((
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ))[الزمر:68]؛ لأن بعض العلماء يقول: هم الملائكة، فقال رحمه الله: "وأما الاستثناء فهو متناول لمن في الجنة من الحور العين، فإن الجنة ليس فيها موت".
إذاً: الحور العين والولدان وأهل الجنة عموماً لا يموتون؛ لأن الجنة لا موت فيها، فهي دار بقاء، وليست دار فناء. يقول: "ومتناول لغيرهم -أي: لا يمنع أيضاً أن يدخل فيه غيرهم- ولا يمكن الجزم بكل من استثناه الله، فإن الله أطلق في كتابه" أي: أن الله أطلق أنه يستثني من شاء، فلا نستطيع أن نجزم بأن ذلك محصور في أهل الجنة وحدهم إلا بدليل، يقول: "وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى آخذاً بساق العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي، أم كان ممن استثناه الله؟}".
وفي رواية: {فلا أدري هل أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟} كما في قوله تعالى: ((فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا))[الأعراف:143]، يقول شيخ الإسلام : "وبكل حال: النبي صلى الله عليه وسلم قد توقف في موسى، وهل هو داخل في الاستثناء فيمن استثناه الله أم لا؟ فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر بكل من استثنى الله؛ لم يمكنا نحن أن نجزم بذلك، وصار هذا مثل العلم بوقت الساعة، وأعيان الأنبياء، وأمثال ذلك مما لم يخبر به، وهذا العلم لا ينال إلا بالخبر"، أي: أنه لا يعلم ذلك إلا بالخبر الصحيح، أما بغير ذلك فلا يعلم.